يحكى أن رجلا في قديم الزمان كان له أربعة من الولد .. فخشي هذا الرجل أن يختلف أولاده على أرثه بعد موته .. فقام وجهز أربعة من الصناديق . وضع في أولهم ترابا .. وفي الصندوق الثاني عظاما .. وفي الصندوق الثالث معدنا .. وترك الصندوق الرابع فارغا , ثم أستأمن تلك الصناديق عند أحد الأصدقاء الأوفياء , وطلب منه إذا أختلف أولاده على الإرث بعد مماته أن يقول لهم يذهبوا للقاضي فلان ليحكم بينهم .
وبعد زمن مات الرجل .. وجاء الأبناء ليقتسموا أرث والدهم .. غير أنهم اختلفوا فيما بينهم .. فقد علموا أن الصندوق الذي يحوي ترابا يعني الأرض .. والذي يحوي معدنا يعني المال .. والذي يحوي عظاما يعني المواشي , أما الفارغ فهو يعني أن لاشيء لصاحبه .
وبعد أن كاد كل منهم يفتك بالآخر بسبب الإرث قال ذلك الرجل الذي تأمن والدهم بالصناديق لديه :
لقد قال لي أبوكم قبل أن يموت , إذا اختلفتم على تقسيم الإرث – عليكم أن تذهبوا للقاضي فلان ليحكم بينكم .
وهنا هدأت نفوس الاخوة .. ثم قرروا أن يذهبوا لذلك القاضي الذي توصى والدهم بالذهاب إليه , ومن صباح اليوم التالي شدوا الرحال .. وانطلقوا ا ناحية ذلك القاضي .. وفي طريقهم صادفوا رجلا كان قد أضاع بعيرا .. فسألهم هل رأوا ذلك البعير في طريقهم ؟!, فقال الأخ الكبر :
- هل ذلك البعير أعور ؟!
- فقال الرجل : أجل !! إنه أعور !
- فقال الأخ الأصغر منه : وهل هو أعرج ؟!
- فأجاب الرجل : نعم .. أنه أعرج !!
- فقال الأخ الثالث : وهل هو شرود ؟!!
- فأجاب الرجل : بلا .. انه شرود !!
- فقال الأخ الأصغر : وهل هو مقطوع الذيل ؟!!
- فقال الرجل : أي والله هو كما قلت مقطوع الذيل !!
- أين رأيتموه ؟!!
- فأجاب الاخوة بصوت واحد : نحن لم نره !!!
فتعجب الرجل .. وخامرته الشكوك .. ثم قال :
كيف تصفونه لي كل هذا الوصف ولم تروه ؟!, من المؤكد أنكم أنتم من أخذ بعيري !!. لابد أن تذهبوا معي إلى القاضي .
- فرد الاخوة . لا مانع لدينا .. فنحن أيضا وجهتنا نحو القاضي .
وذهب الجميع إلى القاضي .. وبعدما وصلوا مجلسه .. وارتاحوا قليلا من وعثاء السفر .. بدأ القاضي يحكم بينهم .. وسأل الاخوة كيف علموا بصفات الجمل إذا كانوا حقا لم يروه !!.
فأجاب الأخ الأكبر :
- لقد سألته هل هو أعور أم لا , فرد بنعم .. فقد لاحظت في بعض الأشجار التي مررت بها أنها مأكولة من أحد جهاتها والجهة الأخرى سليمة , فعلمت أن البعير الذي أكل منها أعور .. ولو لم يكن كذلك لأ كَلَ من كلا الجهتين .
فقال القاضي صدقت , وأنت يا فلان ( أي الأخ الأصغر سنا من الأخ الأكبر ) , ماذا تقول ؟! .. فرد الرجل :
- لقد سألته هل الجمل أعرج أم لا !! .. فرد بنعم .. فقد لاحظت في آثار قدم البعير اختلافا بينا .. يدل على أن إحدى قدميه مكسورة . ولو لم يكن كذلك لتساوت آثار أقدامه .
فقال القاضي صدقت . وأنت يا فلان ( أي الأخ الأكبر من الأصغر ) , ماذا تقول ؟!
فرد الرجل :
- لقد سألته هل بعيره شرود أم لا !! فرد بنعم . فقد لاحظت بعض الأشجار سليمة .. وبعضها البعيدة عنها مأكول منها .. فعلمت أنه شرود لا يستقر للأكل من موضع واحد , وإنما يخطف أكله خطفا وهو يسير .
فقال القاضي صدقت !! . وأنت أيها الأخ الأصغر , ماذا تقول ؟!:
فرد الرجل قائلا :
- لقد سألته هل ذيله مقطوع أم لا !!. فرد بنعم . فقد لاحظت أن زبله متراكم وغير متناثر , ولو لم يكن مقطوع الذيل لتناثر زبله لتحريك ذيله عندما يخرج طعامه .
فقال القاضي صدقت . ثم التفت نحو صاحب البعير وقال : هؤلاء ليسوا بخصمائك , فأذهب وأبحث عن بعيرك .
وجلس الاخوة عند القاضي حتى المساء .. ثم قدم لهم القاضي ذبيحة احتفاء بهم .. ثم تركهم ليأكلون , وذهب ووقف عند باب تلك الحجرة ليستمع ماذا يقولون .. فقد شعر أنهم قوم ليسوا بأسوياء كبقية الناس .
وبينما هم يأكلون - قال الأخ الأكبر :
- أقول إن المرأة التي خبزت هذا الآكل غير طاهرة !! .
وقال الأخ الثاني :
أقول أن هذه الذبيحة رضعت من كلب !!.
-
وقال الأخ الثالث :
- وأنا أقول إن هذا البيت قد بني على قبر .
ثم قال الأخ الأصغر :
- وأنا أقول إن هذا القاضي يدعي على غير أبيه .
ثم انكبوا يأكلون .. أما القاضي فبعدما سمع ما سمع .. دخل عليهم واستأذنهم للذهاب لينجز عمل من الأعمال .
ثم دخل على زوجته وسألها أهي طاهرة أم لا !! . فأجابت : لا بل أنا مريضة .
ثم أنطلق أي ذلك المنزل الذي أشترى منه الشاة .. ثم سأل أصحابها هل رضعت تلك الشاة من كلب ؟!! .. فقالوا له .. إن هذه الشاة قد ماتت أمها وهي صغيرة .. وكانت تختلط بجراء كلبتهم وترضع معهم من حليبها .
عندها أنطلق إلى منزل من بنى له ذلك الدار .. وسأله هل وجد قبرا في مكان البيت أم لا !! .. فأخبره البناء بأنهم بنوا ذلك المنزل على قبر , فلم يعلموا به إلا قرب انتهاء البناء ولم يخبروه خشية أن يحرمهم من أجرهم .
ثم أنهى جولته ببيت أمه .. حيث دخل عليها وأقسم أن يحكم عليها بالقتل إذا لم تخبره بالحقيقة .. وهل هو أبن شرعي لأبيه أم لا ؟! .. فأجابت أنه ليس ابنا لزوجها , وإنما زنت به ,, وعندها عاد قافلا إلى منزله وقد أسودت الدنيا في عينيه .
وفي صباح اليوم التالي أجتمع القاضي بالاخوة الأربعة .. وسألهم عن قضيتهم .. وعندما أخبروه .. قال القاضي :
- أنا لن أجيبكم أو أحكم بينكم .. حتى تخبروني ماذا قلتم البارحة على وجبة العشاء !! .
فقال الأخ الأكبر :
- لقد قلت : إن من خبزت الخبز مريضة بعادة النساء .
قال القاضي :
- وكيف علمت بذلك ؟!
فرد الرجل :
- كن الخبز خشنا .. ولو لم تكن مريضة كان ناعما, غير أنها عجلة لما تعاني من آلام فخبزته دون عناية .
قال القاضي صدقت .
- وأنت يا فلان ماذا قلت ؟!
قال الرجل :
- وأنا قلت , إن الشاة التي ذبحتها لنا رضعت من كلبة .
قال القاضي :
- وكيف علمت بذلك ؟!.
فرد الرجل :
- لقد كان الشحم فوق العظم .. واللحم فوق الشحم . ولو لم ترضع من كلب – لكان اللحم فوق العظم .. والشحم فوق اللحم .
فقال القاضي : صدقت , وأنت يا فلان ماذا قلت ؟!
فرد الأخ الأكبر من الأصغر :
- لقد قلت إن المنزل بني على قبر , فلا يشعر الإنسان بالغم فجأة إلا إذا دخل بيتا فيه قبر .
فقال القاضي صدقت . وأنت أيها الأخ الأصغر ماذا قلت ؟! .
فرد الأخ الصغير قائلا :
- لقد قلت أنك تدعي على غير أبيك .
فقال القاضي وأنت أيضا صدقت . ولكنك صاحب الصندوق الفارغ ..لانك أيضا لست أخ لأخوتك من أبيك , ولو لم تكن كذلك ما عرفت بسري ,, فلا يعرف أبن الزنا إلا من هو مثله .
وهكذا عاد الجميع إلى أمهم راضين بحكم القاضي .